مبادرة الرئيس محمود عباس وجوهر الصراع

مبادرة الرئيس محمود عباس وجوهر الصراع

  • مبادرة الرئيس محمود عباس وجوهر الصراع
  • مبادرة الرئيس محمود عباس وجوهر الصراع

اخرى قبل 3 سنة

مبادرة الرئيس محمود عباس وجوهر الصراع

موفّق مطر  

 

كثيرة هي المرات التي أكد فيها الرئيس محمود عباس التزامه بالثوابت الفلسطينية والأهداف الوطنية المحددة في وثيقة الاستقلال الصادرة عن مؤتمر المجلس الوطني الفلسطيني في العام 1988، التي تعتبر منذ ذلك الحين جوهر البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وروح القانون الأساسي الفلسطيني، والخطوط العريضة لدستور دولة فلسطين القادم.

 ناقش مجلس الأمن الدولي قبل يومين مبادرة رئيس دولة فلسطين التي ما زالت حتى اللحظة دولة عضو بصفة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة لكن فلسطين المحتلة وفق القانون الأممي قد حازت على عضوية الكثير من المنظمات الدولية ما يعني أن لفلسطين الآن جذورًا متفرعة وقوية وثابتة في الأرضية القانونية للمجتمع الدولي والشرعية الدولية، ويحسب هذا الانجاز للشعب الفلسطيني بفضل المنهج السياسي للرئيس أبو مازن الذي استطاع إثبات صحة تصوراته وتوجهاته العقلانية الواقعية، حيث نال على حكمته وشجاعته في طرح الرؤى لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وترسيخ قواعد الاستقرار والسلام في منطقة متأججة بالصراعات، وكذلك صلابته ومنطقه وتمسكه بالثوابت الفلسطينية، كما يحسب لصمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بثوابته وحقوقه، وهذا ما حث العالم عبر مجلس الأمن الدولي إلى التعامل بأقصى درجات الاهتمام والإعراب عن التأييد للمبادرة، وإبداء موقف يعتبر الاستيطان الاستعماري الاحتلالي الإسرائيلي مقتلًا لحل الدولتين، وقد يكون مفيدًا تسليط الضوء على الموقف الأميركي الذي أبرزه ريتشــارد ميلــز القائم بأعمال المبعــوث الأميركي لدى الأمم المتحدة لمجلس الأمن الذي ما كان ليقترب على نحو إيجابي من نصوص مبادرة الرئيس أبو مازن لولا اقتناع الإدارة الأميركية الجديدة بأن الموقف الرسمي الذي للرئيس أبو مازن، المستمد من جذور سنديانة الإرادة الفلسطينية غير قابل للكسر أو الاختراق أو الاحتواء، ولولا قناعة الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته بأن مبادرة رئيس الشعب الفلسطيني فرصة ذهبية للعالم الراغب بإحلال الاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط، لما كرر ميلز طرح تصور بايدن وإدارته الجديدة التي تقترب في عناوينها العامة من رؤية ومبادرة الرئيس حيث أكد على "ضرورة الحفاظ على حل الدولتين، والامتناع عن أي خطوات أحادية مثل ضم الأراضي"..

واقترب أكثر عندما قال "إن إدارة بايدن تتطلع للعمل مع إسرائيل والفلسطينيين وأعضاء مجلس الأمن واللجنة الرباعية خلال الفترة المقبلة، لتهيئة المشهد من أجل المضي قدما لتحقيق حل للصراع".. ونستطيع قياس مدى الاقتراب إذا قرأنا هذا النص من مبادرة الرئيس أبو مازن التي طرحها أمام مجلس الأمن الدولي في 20 شباط/ فبراير من العام 2018 حيث قال بعد المقدمة تنص خطتنا على ما يلي: أولاً: ندعو إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في منتصف العام 2018، يستند لقرارات الشرعية الدولية، ويتم بمشاركة دولية واسعة تشمل الطرفين المعنيين، والأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة وعلى رأسها أعضاء مجلس الأمن الدائمون والرباعية الدولية، على غرار مؤتمر باريس للسلام أو مشروع المؤتمر في موسكو كما دعا له قرار مجلس الأمن 1850، على أن يكون من مخرجات المؤتمر ما يلي:أ‌- قبول دولة فلسطين عضواً كاملاً في الأمم المتحدة، والتوجه لمجلس الأمن لتحقيق ذلك؛ آخذين بعين الاعتبار قرار الجمعية العامة 19/67 لسنة 2012، وتأمين الحماية الدولية لشعبنا".

ب‌- تبادل الاعتراف بين دولة فلسطين ودولة إسرائيل على حدود العام 1967، فالاستقلال في دولة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية ثابت وطني كان وما زال روح مبادرة الرئيس، أما حديث بايدن وأعضاء إدارته المعنيين عن حل الدولتين كحل وحيد فنعتقد أنه تقدم أميركي مهم، يجب العمل على تقوية عوامل الجذب الفلسطينية لتقريب المسافة بين فلسطين وواشنطن في المرحلة القادمة، والتي يبدو أن إدارة بايدن مستعدة كما أعلن ميلز لإعادة تمهيد طريق كان قائما بينهما دمره الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بقراراته المتعلقة باعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها، وقطع المساعدات المالية للسلطة الوطنية، والامتناع عن دفع حصة واشنطن إلى وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ونعتقد أن قول ميلز بخصوص الرجوع عن قرارات اتخذها ترامب يستحق أن يفهم منه بأن الضغط والحصار المالي على القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني كان فاشلًا، ولم يحقق أهدافه في إجبار القيادة على مجرد التفكير بإعادة النظر في ثوابتها، فالقيادة الفلسطينية قد رسمت لنفسها خطوطًا حمراء، لا تقوى قوة في العالم على إجبارها على تجاوزها، وقد جاء كلام ميلز وقوله: "لا يمكن فرض السلام على أي من الطرفين" إقرارًا عقلانيًا وواقعيًا بصلابة وثبات الموقف الفلسطيني.

مناقشات مجلس الأمن الدولي للقضية الفلسطينية ومبادرة رئيس دولة فلسطين للحل أفضت إلى تأكيد موقف العالم والتزامه بحل الدولتين، واعتبار الاستيطان مخالفًا للقانون الدولي، ودعوة الدولة القائمة بالاحتلال (إسرائيل) لتنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن وآخرها القرار 2334، أما الاقتراحات بخصوص الآليات فقد وردت في موقف روسيا الذي أبرزه وزير الخارجية لافروف حيث اقترح لافروف عقد اجتماع وزاري في روسيا في الربيع بمشاركة روسيا والاتحاد الأوروبي والرباعية وفلسطين وإسرائيل والسعودية صاحبة مبادرة السلام العربية، للوصول إلى تسوية نهائية لقضية الشرق الاوسط وأعاد التأكيد على قرارات مجلس الأمن فيما يتعلق بالأنشطة الاستيطانية وقضية اللاجئين والحدود وكافة قضايا الحل النهائي التي يجب أن تحل بالاتفاق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي".. وهنا نجد أن مواقف الدول الكبرى الدائمة العضوية والدول المتمثلة في مجلس الأمن الدولي قد أجمعت على صواب الرؤية والطرح الفلسطيني للحل كما ورد في مبادرة الرئيس في البند (ت) من أولاً ونصها: "تشكيل آلية دولية متعددة الأطراف تساعد الجانبين في المفاوضات لحل جميع قضايا الوضع الدائم حسب "اتفاق أوسلو" (القدس، والحدود، والأمن، والمستوطنات، واللاجئين، والمياه، والأسرى".

مواقف الدول الكبرى عمومًا وموقف واشنطن الجديد في اجتماع مجلس الأمن الدولي أول أمس والإجماع حول "ضرورة الحفاظ على حل الدولتين، والامتناع عن أي خطوات أحادية مثل ضم الأراضي".. نراها استجابة للفقرة (ثانيًا) من مبادرة الرئيس ونصها: "ثانيًا: خلال فترة المفاوضات، تتوقف جميع الأطراف عن اتخاذ الأعمال الأحادية الجانب، وبخاصة منها تلك التي تؤثر على نتائج الحل النهائي...إلخ "

ربطت مبادرة الرئيس ابو مازن بين السلام في فلسطين والاستقرار والسلام في الاقليم، حيث نصت في ثالثًا على التالي: "يتم تطبيق مبادرة السلام العربية كما اعتمدت، وعقد اتفاق إقليمي عند التوصل لاتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين"، وقد كان واضحًا اهتمام الدول بهذا الربط المنطقي، نظرًا لانعدام إمكانيات تجاوزه والدخول في اتفاقيات اقليمية قبل حل القضية الفلسطينية ونيل الشعب الفلسطيني حقوقه، وهذا ما أكدته الجمهورية التونسية رئيس المجلس للدورة الحالية بلسان وزير الدولة للشؤون الخارجية التونسي محمد علي النفطي عندما قال: "إن أساس أي حل في الشرق الأوسط يكمن في حل وتسوية عادلة للقضية الفلسطينية جوهر الصراع العربي الإسرائيلي".

 

التعليقات على خبر: مبادرة الرئيس محمود عباس وجوهر الصراع

حمل التطبيق الأن